مواجهة الانتقادات للجمعيات الخيرية بمزيد من الشفافية والتنظيم
نشر بتاريخ: 23/10/2023
طبيعة عمل الجمعيات الخيرية مع المجتمع، يتطلب من العاملين فيها تحمل مختلف آراء المجتمع، مهما تكن تلك الآراء بشأنها قاسية، إذ أن كل مجالات الخدمة يطالها أحياناً الكلام الجارح، وهو الأمر الذي ينطبق على المآتم و المتصدين للشأن العام بوجه عام من لجان أهلية ومواكب عزائية وتعليم ديني وغيرها.
ومع تأكيد ضرورة أن يكون النقد إيجابيًا وبلغة سمحة، تنم عن التقدير، ملتزمًا بعدم الانتقاص من العاملين في الحقل الخيري أشخاصًا وجهودًا، وغير ذلك مما ننشده من ارتقاء في ممارسة النقد، إلا أن كون النقد قاسيًا وجارحًا لا يعني تجاهله، ويكفينا سببًا لعدم تجاهله سعينا أن نكون ممن وصفهم الله جلَّ وعلا بـ (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).
حينما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي خبرٌ يخصُّ الجمعيات الخيرية، فإن أول ما يلفت الانتباه بعد صياغة الخبر هو عدد ونوع تعليقات المشاركين، إذ من الغالب ما يستحثُّ النشر فئة لا بأس بها من المجتمع للتعليق بما يدور في نفسها من رأي إزاء عمل الجمعيات الخيرية.
وابتداءً، فإن تنوع الآراء وعدد المعلقين الكبير إنما يؤكد حيوية عمل الجمعيات الخيرية، وكونه محل اهتمام ورصد المجتمع؛ وبتحليل التعليقات بشكل مفيد لعمل الجمعيات الخيرية، فسوف نلاحظ وجود فئة من المعلقين تحمل آراء بناءً على صور نمطية عن الجمعيات، فهناك تفكير نمطي بأن (الجمعيات تعطي ربعها)، (يعطون ناس وناس لا) (المساعدات بالمعارف) (إدارات الجمعيات لا تتزحزح من مكانها)، وهذه الصور النمطية وغيرها شئناً أم أبينا موجودة لدى فئة من المجتمع سواء قاموا بالتعليق في وسائل التواصل الاجتماعي أو تداولوها في لقاءاتهم أو أضمروها في أنفسهم، وللتعامل مع هذه الصور النمطية فإن المطلوب من الجمعيات الخيرية أن تعمل على معالجة هذه الصور بخلخلتها بصورة محسوسة وملموسة للمجتمع، على أن مساحة هذه النمطية تتضاءل شيئاً فشيئاً بتطوير العمل في الجمعيات، وببذل المزيد ستتقلص أكثر.
ومن الملاحظ أن فئة من المشاركين بتعليقاتهم يستند الرأي لديهم على تعميم الحكم على عمل الجمعيات من حالة أو حالتين عرفهما صاحب الرأي، قد تكون هذه الحالات محقة، وقد تكون وصلته مشوهة عن الحقيقة، وقد يكون هو نفسه من يعمل على تشويه هذه الحالة لحاجة في نفسه، ولن نعدم في جميع الأحوال من هؤلاء الأشخاص، ولكن كلما زادت مساحة الثقة في معايير الجمعيات، وكلما حدث التفهم لأسباب الجمعيات في عدم الاستجابة لبعض طلبات المساعدة لعدم توافر شروط واضحة بخصوصها، انحصرت هذه الفئة، وانعزلت في المجتمع اذا كانت متجنية.
وفي المقابل، هناك فئة من المشاركين بالتعليق تنبري للدفاع عن الجمعيات الخيرية، وازعها في ذلك الغيرة على هذه الجمعيات، وهذه الفئة يجب أن تعمل الجمعيات على توسيعها، ببرامج خاصة لزيادة المناصرين من خلال المزيد من الشفافية والتنظيم والإعلام الموجه.
ويراعي للتعامل مع النقد تفهم أن دور إعلام الجمعيات يجب أن يصرف جزء منه لشرح الأسباب التي تقوم عليها قراراتها للكافة بعد افهام صاحب الشأن، فعلى الجمعيات مثلًا أن توضح للناس سبب طلب بعض المستندات، أو المعلومات والبيانات، أو سبب اتخاذها اجراءات معينة، إذ أن الاحتكام للقواعد المنطقية الواقعية الواضحة يرفع الاشكال.
كما أنه من اللازم توظيف الإعلام لمزيد من الشفافية والوضوح في عمل الجمعيات والتعليل الاستباقي، ولا بد أن تدرك الجمعيات وجود فئة من المجتمع تجهل فعلًا طريقة عملها، ولكن تعلق من باب (حشر مع الناس عيد) وهذه الفئة يمكن نقلها لفئة المناصرين بسهولة.
ويجب مراعاة أن وجود النقد لا بد أن يكون دافعًا لتطوير العمل، والتحقق مما إذا كان المنتقد مصيبًا فيما طرح بدلًا من رفض الإدعاء بشكل كامل، بل لا بأس بأن يكون لدى الجمعيات الاستعداد للتحقيق الجاد المستقل فيما يدعى عليها إذا كانت إدعاءات جادة أو تؤثر في سمعة الجمعية، وثبوت خلو صفحة الجمعية من هذه الإدعاءات يزيدها قوة.
ختامًا، إن طرح الانتقادات على الجمعيات على مواقع التواصل الاجتماعي حتى وإن كان لاذعًا، فإن قمة الحكمة أن يتحول هذا التحدي إلى فرصة، ولا بد أن تستغل الجمعية هذه الفرصة في زيادة مساحة مناصريها، وتوضيح طريقة عملها وأسبابه.
وفق الله جميع العاملين في الحقل الخيري لما هو أحكم وأرشد، وهو ولي التوفيق.
المحامي/ زهير حسن مكي
رئيس جمعية كرانة الخيرية الاجتماعية