كيف نحافظ على الخطط الاستراتيجية من التلاشي؟

نشر بتاريخ: 07/09/2025
شهدت الساحة الخيرية مؤخراً تنظيم ورشة نوعية في مجال التخطيط الاستراتيجي نفذتها جمعية مدينة عيسى الخيرية الاجتماعية ضمن برنامج تآزر، قدّم خلالها الأخ المهندس عبدالحسين محسن، رئيس مجلس إدارة جمعية صندوق الشاخورة الخيرية، أنموذجاً متقدماً لخطة استراتيجية لجمعية خيرية اجتماعية، غير أن ما ميّز الورشة لم يكن العرض الشيق وحده، بل النقاشات التي أثارها الإخوة الحضور منها: سؤالاً قديماً متجدداً يواجه معظم الجمعيات: كيف نحافظ على حيوية الخطة الاستراتيجية ونمنعها من التلاشي مع مرور الزمن وتغيّر مجالس الإدارات كل سنتين تقريباً؟
إنه سؤال يلخص معضلة متكررة: لماذا تتحول الجهود الكبيرة التي تبذل في إعداد الخطط الاستراتيجية إلى وثائق صامتة بعد مرور السنوات؟ وهل تكفي الخطط التشغيلية وحدها لإبقاء زخم الخطة الاستراتيجية حاضرا في العمل ومستمراً لخمسة أو سبعة أعوام؟ أم أن الأمر يتطلب نموذجاً أكثر فاعلية يربط الاستراتيجية بالميدان ويرسخها كثقافة مؤسسية لا تتأثر بتبدل الأشخاص وتغير الأزمان؟
- الحل: من الخطط الجامدة إلى المشاريع الحية
الجواب يكمن في تجسيد الخطة الاستراتيجية في مشروع أو عدة مشاريع ميدانية تحشد الطاقات وتحفزها من أجل العطاء المستدام، وهذا ممكن من خلال التحول بالعمل التشغيلي من نموذج “إدارة العمليات” إلى نموذج “إدارة المشاريع” وما يهم الجمعيات هنا هو إدارة المشاريع التنموية الاستراتيجية، وهو نموذج يحوّل الخطة من مجرد ورق إلى مجموعة مشاريع عملية وفاعلة تعيش داخل الجمعية، وتستمر في التطور مهما تغيّرت القيادات، ووفقاً لهذا النموذج، تنقسم المشاريع إلى ثلاثة مستويات مترابطة ومتكاملة:
- مشاريع جوهرية (Core Projects): وهي العصب الأساسي لعمل الجمعية وتستهدف عادة الفئات الأساسية وفقا لاحتياجاتها الرئيسة، مثل رعاية الأيتام لجمعية تعمل في هذا المجال، تمكين الأرامل لجمعية مهتمة بالنساء ، أو دعم الأسر المتعففة لجمعية خيرية.
- مشاريع ذات صلة (Relevant Projects): وهي مبادرات مساندة تضيف قيمة وتكامل للعمل الأساسي، وتستهدف فئات داعمة للفئة الأساسية، كبرامج التوعية للأسرة لأطفال التوحد أو الأنشطة المجتمعية.
- مشاريع معادة التحديد (Redefined Projects): مشاريع ابتكارية تستجيب لاحتياجات جديدة أو متغيرة وتفتح آفاقاً للتطوير.
بهذا التصنيف والتجسيد، لا تعود الخطط الاستراتيجية مرهونة بالأشخاص، بل تتحول إلى ثقافة مؤسسية عميقة تصون هوية الجمعية وتضمن استدامة عملها.
- لماذا هذا النموذج ضرورة لا ترفاً؟
- لأنه يحمي الاستراتيجيات من الذوبان مع تغيّر مجالس الإدارات.
- لأنه يرسخ الاستراتيجية في عقول وقلوب العاملين ويحشد طاقاتهم فيها.
- لأنه يجعل الموارد البشرية والمالية تتحرك في اتجاه واحد واضح حسب الأولويات.
- لأنه يعزز ثقة المانحين والشركاء عبر مشاريع واضحة الأهداف ومقاسة الأثر.
- لأنه يتناغم مع سياسات وزارة التنمية الاجتماعية التي دعمت لسنوات طويلة المشاريع التنموية المستدامة (2006 – 2019).
- من الفكرة إلى التطبيق العملي
الخطوة الأولى تكمن في تشخيص احتياجات الفئات المستهدفة الأساسية بشكل دقيق، ثم تصميم مشاريع تنموية طويلة المدى منبثقة من روح الخطة الاستراتيجية لتلبّي تلك الاحتياجات، ثم تُبنى الخطط التشغيلية السنوية على أساس هذه المشاريع العميقة، النتيجة هي استراتيجية حية تتجدد بالقيم المضافة والابتكار، بدلاً من أن تذوب في الملفات مع مرور الزمن.
- رسالتنا للعاملين في الجمعيات الخيرية الاجتماعية
إن تبني نموذج “إدارة المشاريع التنموية الاستراتيجية” ليس ترفاً إدارياً ولا تنظيراً بعيداً عن الواقع، بل هو عملي وميداني معمول به في كثير من المنظمات الربحية وغير الربحية، وهو الضمانة الحقيقية لاستمرارية الأثر للخطط الاستراتيجية، إنه الطريق الذي يجعل الجهد المبذول في التخطيط مثمراً، ويحوّل طموحات الجمعيات إلى إنجازات ملموسة لا تتوقف بتغير الأشخاص أو الإدارات، والجمعيات التي تختار هذا النهج ستتمكن من تحويل استراتيجياتها إلى إرث مؤسسي حيّ، لا ورقاً يطويه الزمن وتنساه الذاكرة.
- إذن نلخص الإجابة بعبارة واحدة:
التحول إلى نموذج إدارة المشاريع التنموية طويلة المدى، هو طريق الجمعيات نحو الأثر المستدام لخططها الاستراتيجية.